د. حبيب النامليتي




يقول الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْن الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْه وَاتَّقُوا اللَّه إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5) «المائدة». 

في هذه الآيات يمتن الله على عباده بأعظم المنن وأكمل النعم؛ فنعمة إتمام الدين مما يحتاج إليه المسلمون من أحكام (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، فلا مجال للابتداع في دين الله، ,كل بدعة مردودة على صاحبها، وهذه نعمة عظيمة؛ فقد جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: يا أمير المؤمنين! إنكم تقرؤون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، فقال: أي آية هي؟ قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي)، فقال عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، عشية يوم عرفة، في يوم جمعة. متفق عليه.

وهي أيضاً تشير إلى الأطعمة؛ ما يحل منها وما يحرم، والأصل أن ما خلقه من طعام هو حلال (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً)، فالطيبات ما يستلذ أكله مما أحله الله لعباده، إلا ما دلت الأدلة على تحريمه.

ومن الأطعمة المحرمة:

- الميتة: وهي الحيوان الذي يجوز أكله إلا أنه لم يذكى الذكاة الشرعية، بل مات بخنق أو تردٍّ من جبل أو غير ذلك من الأسباب، إلا أن السنة بينت أنه أحل لنا ميتتان (السمك والجراد).

- الدم: ويراد به المسفوح، لا يجوز أكله، وكذلك أحل لنا دمان (الكبد والطُحال).

- لحم الخنزير: الحيوان المعروف.

- ما أهل لغير الله: وما ذبح لغير الله، وذكر عليه غير اسم الله عند الذبح، مهما عظم شأنه وعلا قدره، فإن الذبح لا يكون إلا لله.

ومن أنواع الميتة التي أشارت إليه الآيات: 

- المنخنقة: هي التي حُبس نَفَسَها حتى ماتت، سواء كان بنفسها أم بغيرها.

- الموقوذة: هي التي ضربت بعصا أو حجر حتى ماتت.

-المتردية: هي التي سقطت من مكان عال فماتت.

- النطيحة: على وزن فعيلة بمعنى مفعولة، هي التي ضربتها أخرى بقرنها فماتت.

- ما أكل السبع: أي ذو ناب كالأسد والنمر ونحوهما.

- إلا ما ذكيتم : إلا ما أدركتم ذكاته على التمام وفيه حياة. 

- ومن المحرم أيضاً مما ذبح على النصب: ما يوضع للعبادة من حجر أو غيره وكان يصب عليه دماء الذبائح، وأن تستقسموا: أي تطلبوا معرفة ما قسم لكم، السين والتاء للطلب، بالأزلام: الأزلام جمع زلَم، وهي قِداح معينة كانوا يستقسمون بها؛ يكتبون على أحدهما (افعل) والآخر: (لا تفعل) والثالث لا يكتبون عليه شيئاً، ثم يحركونها، فأيهما خرج عملوا به، فإذا خرج المهمل أعاد.

- إلا في حال الاضطرار مخمصة: مجاعة شديدة.

- غير متجانف: مائل عمداً إلى حرام، وهذا من سماحة هذه الشريعة وتيسيرات الدين.

ومن فوائد الآيات:

- جواز أكل ما صِيد من الجوارج ذوات الأنياب؛ قالَ صلى الله عليه وسلم: إذا أرسَلتَ كلبَكَ المعلَّمَ، وذَكَرتَ اسمَ اللَّهِ فَكُلْ ما أمسَكَ عليكَ، فإن أَكَلَ فلا تأكُلْ.

- جواز أكل طعام أهل الكتاب، وجواز نكاح المسلم من الكتابية العفيفة، وفي هذه بعض المحرمات التي ينبغي للمسلم أن يتجنب تناولها، وبعض الرخص والتيسيرات التي يجوز له فعلها.