المشهد الإقليمي اليوم يتركَّز على الإنفراج التدريجي على قاعدة "القطعة – قطعة" بين الولايات المتحدة وإيران، مع ما يمكن أن يسهم فيه من تعزيز لمسار التفاهمات الموضعية، بالتوازي مع استمرار التوتر على مسارح ميدانية أخرى لا سيما في سوريا وشرقها تحديداً من المعابر الحدودية والتنف وصولاً إلى التركيز على خلق بقعة توتر مستمرة في السويداء في وجه النظام. ففي حين تتقدَّم المفاوضات في اليمن ولو تدريجياً، أكَّدت قطر تحويل أموال إيرانية مفرج عنها بقيمة 6 مليارات دولار إلى حسابات مصرفية في الدوحة، في الوقت الذي يُنتظر فيه الإفراج عن المعتقلين الأميركيين في إيران وتسليمهم أيضاً إلى قطر.
وعلى الخط اللبناني، يشير التسارع في الخطوات والمشاورات إلى ملاقاة هذه الإنفراجات والتقاطع معها، ولو اكتسبتْ في الشكل "عض الأصابع" الطبيعي والمعروف في مرحلة التفاوض. وأساس هذه الخطوات يبقى خارجياً في تحركات اللجنة الخماسية التي ستلتقي في نيويورك، على أن تليها زيارة الموفد القطري مع ما يحمله في جعبته نتيجة هذه المشاورات. أما داخلياً فالحوار الضبابي والخديج لرئيس المجلس النيابي نبيه بري فقد تلقى الكثير من إطلاق النار سواء العبثي منه، أو "التحذيري" الإيجابي كما فعل التيار الوطني الحر وقيادته أكثر من مرّة وآخرها في حفل "الربوة" أمس، وهذا ما يجعل من هذا الحوار مترنحاً ورهينةً لضغوطات الخارج أكثر منه استجابة للمصالح اللبنانية البحتة.
ومن شأن هذا التسارع أن يزيد من الضغط في اتجاه إنجاز ملف رئاسة الجمهورية في لبنان، وتعزيزاً لجهود اللاهثين من قوى سياسية وشخصيات على الإرتماء في أحضان هذا المرشح أو ذاك وتقديم أوراق الإعتماد طمعاً في حجز موقع لا يمتلكونه إلا من خلال الآخرين. لكن الأساس يبقى الملفات الوطنية الوجودية الكبرى كإعادة النازحين وتحقيق اللامركزية والإدارة المالية للدولة وأصولها عبر الصندوق الإئتماني، وليس الشعارات الزجلية التقليدية والتي لم توصل إلا إلى المآسي تلو الآخرى، وخاصة منذ العام 1992 على ما علم اللبنانيون وذاقوا...