المراهنات «آفة» تحول التكنولوجيا دون معالجتها... وإنعكاساتها الإجتماعية كارثية

المراهنات «آفة» تحول التكنولوجيا دون معالجتها... وإنعكاساتها الإجتماعية كارثية

  • ١٦ نيسان ٢٠٢٤
  • محمد فوّاز

«انعكاسات المراهنات على «ضحاياها

على الرغم من أنّ الرياضة تُعتبر مصدرًا للتسلية والترفيه، إلا أنّها للأسف تواجه تحديات جسيمة مثل المراهنات على أنواعها والتلاعب بنتائج المباريات. وتعتبر هذه الآفة من بين أخطر الظواهر التي تهدّد سلامة ونزاهة الرياضة، وتتسبّب في خسائر فادحة على المستويات كافة وانعكاساتها فادحة على الثقة بعالم الرياضة. 
ومع إقتراب المنافسات على تنوعها من خواتيمها محلياً وعربياً وعالمياً ومع قرب إنطلاق بطولة أمم أوروبا، ترتفع حمّى المراهنات وتشتد على مجموعة كبيرة من الخيارات ولا تقتصر على الرياضة فقط، كالمراهنة على الفوز والخسارة فقط، أو المراهنة على النتيجة الصحيحة، أو عدد الأخطاء، وعدد البطاقات الصفراء والحمراء، وحتى على من سيدخل من البدلاء ومن سيخرج من اللاعبين. وكلما كان الرهان أصعب، كلما ازدادت نقاط الرهان، وازداد معها الربح الوفير للمال أو الخسارة، التي أفلست الآلاف في لبنان معظمهم من الشباب.
حتى الأحداث الهامة حول العالم يمكن أن تكون موضوعًا للرهان، إذ أصبحت أي تطورات على اختلافها مجرد «بزنس»، وفرصة لاستغلالها من قِبل الأفراد لتحقيق مبالغ مالية لا يستهان بها.
ومع تطوّر الإنترنت، أصبح من الصعب جداً ملاحقة هذه الأعمال غير الشرعية، حيث اختفت المكاتب وتحوّلت إلى الهواتف، التي أصبحت الوسيلة الأسهل للمراهنة من خلال دخول مواقع حول العالم، مما صعّب عملية الرقابة على هذه الأنشطة، خاصةً مع نقل عمليات التواصل مع السماسرة من الوجود الشخصي داخل المكاتب إلى التراسل عبر تطبيقات المحادثة.
وبما أنّ المراهنة باتت كالتجارة، فقد شبهها البعض بتداول العملات الرقمية المشفرة، لكنها أكثر خطورة من ذلك بكثير، إذ تعتمد الأحداث الرياضية على لحظتها، على عكس التحليلات المتعلقة بالعملات الرقمية.
خلال السنوات الأخيرة، إنتشرت عمليات المراهنة بشكل كبير في لبنان، خاصةً على مباريات كأس العالم وكأس آسيا ودوري أبطال أوروبا والبطولات الأوروبية الوطنية وحتى مباريات المنافسات المحلية خاصة كرة القدم وكرة السلة. جمهور هذه المراهنات يتألف في العادة من مراهقين، وبالأخص من طلبة المدارس، من دون أن يسلم منها كبار السن. وهي لا تنتشر فقط بين محبي كرة القدم ومتابعيها، بل بين أشخاص  من الذين لا يتابعون اللعبة. ومؤخراً، صارت تُلحظ في المقاهي فئة تشاهد كرة القدم فقط لأجل المراهنات.
لكن تحقيق الأرباح بات أصعب اليوم لأنّ المراهنين باتوا يواجهون برامج ذكاء إصطناعي تعرف كل شيء عن اللاعبين والفرق والحكام وكل ما يتعلّق بالمباراة، وتقوم بتحديد حاصل فوز كل رهان، بشكل يضمن مصالح المكاتب ومواقع المراهنات بنسب عالية، وبالتالي يخسر معظم المراهنين أكثر مما يكسبون. 
ويبقى أنّ الخسارة كما الفوز يحفزّان المراهن على إعادة الكرّة، إما للانتقام وتعويض الخسارة، أو لمضاعفة الربح، مما يجعل الأمر أقرب إلى الإدمان، فلا يستطيع الداخلون إلى هذا العالم الإفلات منه بسهولة، فيما يكدّس أصحاب المكاتب الأرباح بلا حسيب أو رقيب.

انعكاسات المراهنات
تتسبّب المراهنات الرياضية بالإنعزال الإجتماعي خصوصاً لدى الشباب والمشاكل في المجال المهني واضطرابات النوم والآثار المالية مع الديون، وحتى الديون الزائدة. ويمكن أن يؤدي كل ذلك إلى السرقات وارتكاب الجرائم والإنتحار في الحالات الأكثر خطورة. بالإضافة إلى التدخين، واستخدام أو إساءة استخدام الكحول، والإدمان على المخدرات وهو الأكثر شيوعًا بين المراهنين وخصوصا المرضى منهم.
ويلفت علماء الإجتماع إلى الآثار الجانبية الواضحة للمراهنات على المحيط الإجتماعي، والعائلة، والشركاء، والأصدقاء. وصنّفت دراسة أجريت عام 2018 لباحثين إسبان بعنوان «سمات المقامرة والإندفاع: هل هي وصفة لسلوك إجرامي؟» الإدمان على المراهنات كحالة نفسية متعلقة باضطرابات الصحة العقلية. كما أشارت إلى أنّ غالباً ما يرتبط النشاط الإجرامي بالمراهنات، إذ إنّ عدداً من المراهنين في عيّنة البحث (الذين لديهم تاريخ في السلوك الإجرامي) لديهم ديون أيضاً متعلقة بالمراهنات. كما أظهرت الدراسة أنّ المراهنين الذين ارتكبوا أعمالاً جرمية مختلفة يميلون إلى الإنخراط في سلوكيات جنائية تعدّ أخطر بكثير.
خطر اللعب المفرط يكون أكثر بـ 5 إلى 6 مرات بين المراهنين مقارنة باللاعبين في ألعاب الحظ مثل اليانصيب. حوالي 15٪ من المراهنين الرياضيين لديهم خطر اللعب الإشكالي. ويوجد أيضًا إرتباط بين اللعب المرضي والإضطرابات العقلية وُصِفت في العديد من الدراسات التي تمت مراجعتها من قبل وزارات الصحة العامة ومنها فرنسا، بالاضطرابات «القلقية» التي تكون حوالي 4 مرات أكثر شيوعًا بين اللاعبين المرضى. كما يتضاعف خطر الإضطرابات المزاجية بمعدل 4.4 مرات وحالة الهوس بمعدل 8.8 مرات بين هؤلاء. 

ماذا يقول القانون؟
يمنع القانون اللبناني ألعاب القمار التي يعرّفها في المادة 632 منه، ولا وجود لنصّ في القانون اللبناني يجرّم المراهنات بالإسم، لكنها تقع تحت خانة ألعاب القمار التي يحدّدها القانون بعبارة «الألعاب التي يتسلّط فيها الحظ على المهارة والفطنة». فيما يعطي الحقّ الحصري لكازينو لبنان في المقامرة.
ويعاقب قانون العقوبات اللبناني كل مَن يقوم بإدارة وتنظيم هذه النشاطات بموجب المادة 633، بالسجن لفترة تراوح ما بين ثلاثة أشهر وسنتين، وبغرامة مالية. كما يعاقب المشاركين باللعب بغرامة مالية، بموجب المادة 634.
وكان لبنان من أوائل دول المنطقة التي سمحت بألعاب المراهنات والقمار، حين تمّ تأسيس «كازينو لبنان»، بموجب مرسوم جمهوري صدر سنة 1954، قضى بحصر ألعاب الميْسر فيه من دون سواه، وفي عام 1966 إستحصل «ميدان سباق الخيل» في بيروت على مرسوم ترخيص بفتح الميدان واستثماره، سنداً لقانون المراهنات الصادر في 5 آذار 1932.
وعلى الرغم من أنّ لبنان كان من بين الدول الرائدة في المنطقة في تشريع ألعاب الميْسر ضمن قواعد محددة، إلا أنّه فشل في مواكبة التطورات الرقمية لتكييف هذه القطاعات مع العالم الإفتراضي. هذا ما أدى إلى تحوّل «المراهنات الرقمية» إلى فوضى، مما حرم الدولة من فرص وإيرادات مالية هائلة، لكن إستفاد بشكل رئيسي منها بعض الشخصيات المؤثرة التي تمكنت من الوصول إلى هذا القطاع. وخاصة بعدما انتشرت ظاهرة الرهانات على المباريات الرياضية في البلاد، عبر مكاتب غير قانونية، ولكنها تحظى بحماية «مافيا السياسة والمال».
وبات معروفاً أنّ في لبنان وكلاء مخفيين قد تتغاضى عنهم السلطات أو لا يمكنها الوصول إليهم، من خلال قدرتهم على الوصول إلى شبكات الإنترنت الخارجية بطرقهم الخاصة، وبالتالي الدخول إلى مواقع الألعاب ودفع مبالغ مراهنات كبيرة.

صعوبة حظر المواقع
مكتب مكافحة القمار في وحدة الشرطة القضائية متخصّص في تطبيق القانون فيما يتعلق بألعاب القمار خارج كازينو لبنان ومن ضمنها المراهنات على الألعاب الرياضية، حيث يتواصل مع هيئة الإتصالات اللبنانية (أوجيرو) لحجب مواقع القمار الإلكترونية المنشأة بمعظمها من خارج لبنان، من هنا ليس من السهل ضبطها، فهي تحتاج إلى تقنيات عالية، إذ بإمكان منشئها الانتقال من IP إلى آخر بسهولة.
وحسب خبراء التكنولوجيا، فإنّ مواقع المراهنة هي تمامًا كتطبيقات الدولارات، بمعنى أنّه كلما قامت الدولة بإغلاق الموقع، فإنّ القيمين عليه باستطاعتهم أن يعيدوه إلى العمل خلال 15 دقيقة فقط، وذلك من خلال إستخدام عنوان إلكتروني جديد يسمح بالتحايل على بيانات الوزارات المختصّة التي حجبت المواقع. 
وهذا التطوّر التكنولوجي سمح للسماسرة بالإستفادة من تقديم خدمة فتح حسابات مباشرة للمراهنين على هذه الشبكات بمبالغ طائلة، سمحت لهم بجمع ثروات خيالية.
وحسب وثائق أصدرها «الإنتربول»، فإنّ هناك ما بين 300 إلى 400 شركة منتشرة حول العالم تعمل في نظام المراهنات عبر آلاف المواقع الإلكترونية، وأغلبها شركات غير شرعية، وأنّ أول ظهور لعملية المراهنات كان في إنكلترا قبل أكثر من 90 عاماً. ونجحت تلك الشركات في تحقيق أرباح مالية خيالية، مما دفع البعض إلى تكوين عصابات دولية تعرف حالياً بإسم «مافيا المراهنات».
وحسب تقرير «الإنتربول»، فإنّ «القارة الآسيوية تساهم عبر مراهنيها في عمل 15 ألف موقع إلكتروني خاص بـ300 نوع من المراهنات حول العالم».