جدلية

الجدلية أو الديالكتيك (بالإنجليزية: Dialectic، باليونانية: διαλεκτική)، في الفلسفة الكلاسيكية، هو الجدل أو المحاورة: تبادل الحجج والجدال بين طرفين دفاعًا عن وجهة نظر معينة، ويكون ذلك تحت لواء المنطق.

يعتبر الديالكتيك الأساس الذي تبنى عليه الشيوعية بمعنى الجدل الذي يوصل إلى النظريات والقواعد التي تحكم الناس وتسير حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

والمادية الديالكتيكية هي النظرة العالمية للحزب الماركسي اللينيني. وهي تدعى مادية ديالكتيكية لان نهجها للظواهر الطبيعية، أسلوبها في دراسة هذه الظواهر وتفهمها ديالكتيكي بينما تفسيرها للظواهر الطبيعية، فكرتها عن هذه الظواهر، نظريتها مادية.

المادية التاريخية هي امتداد مبادئ المادية الديالكتيكية على دراسة الحياة الاجتماعية، تطبيق مبادئ المادية الديالكتيكية على ظواهر الحياة الاجتماعية وعلى دراسة المجتمع وتاريخه. و تدعي الجدلية المادية التاريخية انها استطاعت أن تكشف عن الأساس الموضوعي المادي لمجمل الحياة الاجتماعية وتبين جوهر المجتمع البشري وتدرس قانونيات التاريخ العالمي (ص 10 أصول الفلسفة الماركسية اللينينية)..

في الفلسفة

طالع أيضًا: جدلية الخير والشر

كلمة ديالكتيكا، التي نترجمها عربيًّا بـ«جدلية»، مشتقة من الفعل اليوناني dialegein، الذي يعني تحديدًا الكلام «عبر» المجال الفاصل بين المتحاورين كطريقة استقصاء وضعها زينون الإيلي، قبل أن تستكمل شكلها على يد أفلاطون.

عند أفلاطون والكلمة تعني أيضًا، كمفهوم أفلاطوني، التقسيم المنطقي الذي يوصل المرء عبر المقاربة إلى اكتشاف المعاني الأساسية المجردة (أو المُثُل). ونشير هنا، للتذكير، إلى أن الجدلية، بنظر أفلاطون، جدليتان:

  • الجدلية الأولى صاعدة (وهي تلك التي تنطلق من الواقع الملموس لتصل إلى مفهوم الخير). وقد حد الجدل بأنه المنهج الذي به يرتفع العقل من المحسوس إلى المعقول، دون أن يستخدم شيئا حسيا، وإنما بالانتقال من معان إلى معان بواسطة معان، وبأنه العلم الكلي بالمبادئ الأولى والأمور الدائمة، يصل إليه العقل بعد العلوم الجزئية ثم ينزل منه إلى هذه العلوم يربطا بمبادئها، وإلى المحسوسات يفسرها. فالجدل إذن: منهج وعلم، يجتاز جميع مراتب الوجود من أسفل إلى أعلى وبالعكس، ومن حيث هو علم، فهو مقابل ما نسميه الآن نظرية المعرفة بمعنى أوسع يشمل المنطق والميتافبزيقا جميعا.
  • الجدلية الثانية هابطة (بمعنى أنها تنطلق من مفهوم الخير المجرَّد لتعود إلى الملموس أو اليومي).

وقد شُرِحَتْ هاتان الجدليتان، المتكاملتان في حركتهما، اللتان تشغلان كامل حياة الفيلسوف الحق، في الجمهورية، وخاصةً في استعارة الكهف.

عند أرسطو الذي كان يعارض أفلاطون حول هذه النقطة وحول غيرها – فإننا نلاحظ اختزالاً في معنى العبارة: حيث تصبح الجدلية التحليلية، التي تسعى للتوصل إلى البرهان الحقيقي (عند أفلاطون)، مجرَّد استدلالات مبنية على وجهات نظر محتملة (عند أرسطو). من هذا المنظور الأرسطي، تحدث إ.كانط في كتابه نقد العقل الخالص عن مفهوم «الجدلية الصورية»؛ وكان يعني بها دراسة التوهم الذي تعتقد النفس البشرية من خلاله تجاوز حدود التجربة من أجل التوصل إلى تحديد مسبق مفترض لمفاهيم ذات علاقة بالروح والعالم والإله.

خلال العصر الوسيط

طور المؤرخ المسلم ومؤسس علم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون المنهج الجدلي في التعامل مع النصوص التاريخية لتمحيصها وتجريدها من الأساطير والخرافات بإعمال العقل والمنطق ومقارعة الرواية وبالرواية والحجة. واستمر هذا الفهم سائدًا بشكل عام في العصر الوسيط، حيث كانت الجدلية أو «الديالكتيكا» تعني المنطق الشكلي (أي ذلك المستوحى من تحليلات أرسطو)؛ وقد كانت مسجلة ضمن الـtrivium الجامعي، أي خارج ما كان يُصطلَح على تسميته بالفلسفة، مرافقةً للنحو والصرف وعلم البلاغة. لا بل إن بعضهم (كالقديس توما الإكويني ودونس سكوتس) كان يربطها حتى بأصداء سلبية، مازلنا نجد انعكاساتها إلى الآن، حيث ما زالت الكلمة تستعمل لوصف التحليل أو الخطاب المعقد وغير المجدي.

خلال القرن التاسع عشر

عادت الجدلية على يد هيغل لتكتسب معنى فلسفيًّا جديدًا وعميقًا، ما زال سائدًا حتى هذه الساعة: لأن مؤسِّس المثالية المطلقة جعل منها قانونًا يحدِّد مسيرة الفكر والواقع عبر تفاعلات النفي المتتالي للطريحة thèse والنقيضة antithèse، وحلِّ إشكاليات المتناقضات القائمة من خلال الارتقاء إلى الشميلة synthèse – تلك التي سرعان ما يجري تجاوزُها هي الأخرى، ومن نفس المنطلق. وهكذا، يتحول «الفعل السلبي» ليصبح جزءًا من الصيرورة، الأمر الذي يجعله، وفق هيغل، محركًا للتاريخ وللطبيعة وللفلسفة.

ويقبل ماركس وإنجلز جدلية هيغل كطريقة، لكن (على حدِّ قولهما) «بعد إنزالها من السماء إلى الأرض»؛ فيطبِّقانها على دراسة الظواهر التاريخية والاجتماعية، وبشكل خاص على دراسة الظواهر الاقتصادية: لأن الروح أو الفكرة (من منظورهما) ليست هي التي تحدِّد الواقع، إنما العكس. وكان هذا هو المفهوم الذي طوَّره فيما بعد الماركسيون اللاحقون (كلينين وماو تسي دونغ)، الذين جعلوا من تلك «المادية الجدلية» منظومة فكرية شبه متكاملة.

خلال القرن العشرين

أصبحت الجدلية تعني كلَّ فكر يأخذ بعين الاعتبار، بشكل جذري، ديناميَّة الظاهرات التاريخية وتناقضاتها. من هذا المنطلق، كان مفهوم باشلار عن «فلسفة اللا» محاولةً عقلانيةً لتطوير المفاهيم العلمية، التي وصفها أيضًا بـ«الجدلية»، كي يبيِّن، في العلوم، الحركة التدرجية لنظريات سبق أن كانت مقبولة عالميًّا، ثم تمَّ تجاوزها، وذلك من خلال شَمْلها ضمن مفاهيم أوسع وأكثر انفتاحًا (كميكانيكا نيوتن وهندسة إقليدس، مثلاً، في علاقتها بنسبية أينشتاين والهندسات اللاإقليدية، ليس حصرًا).

عبد الرحمن بدوي

الكلمة اليونانية {taXeKTUCTة معناها اللغوي فن الحوار والمناقشة، خصوصا بواسطة السؤال والجواب (أفلاطون: «السياسة» ٤ ٥٣ ه، الخ). وقد استعملها برمنيذس الايلي لدلالة على نوع من الحجاج يقوم على افتراض ماذا عسى أن يحدث لو أن قضية معطاة على أنها صحيحة قد أنكرت. وعنده ان «ما هو موجود، موجود»، واما ليس بموجود هو ليس بموجود»: فلو أنكرنا هاتين القضيتين لكان هناك «شيء آخر»، وما دام لا يوجد إلا «ما هو موجود» فقد ثبت فساد إنكار هاتين القضيتين، ولهذا لا يوجد «تغير»، إذ كل اتغيرا يقتضي اغيرا»، ولا يوجد أي غير.

ثم جاء أفلاطون من بعده فاستعمل نوعين من الديالكتيك: الديالكتيك الصاعد، وهوطريقه للصعود من المحسوس إلى المعقول،- والديالكتيك النازل، ويقوم في الاستنباط العقلي للصورالافلاطونية والديالكتيك الأول، يستخدم «القسمة» و«التركيب» ، وهما وجهان لعملية واحدة. وهذا الديالكتيك يسمح بالانتقال من الكثرة إلى الوحدة، إذ ينتقل من الجزئيات الي الكلي الذي هو أصلها وأساسها .

اما الديالكتيك النازل، أي الاستنباط العقلي فيمكننا من التمييز بين الصور» (أو المثل).

وعن طريق هذا الديالكتيك يمكن تصنيف الأشياء وفقاً للصور، ويمكن المناقشة عن طريق الأسئلة والأجوبة («السياسة» ٥٣٤ د). والديالكتيك «هو مفتاح كل تركيب العلم» (٥٣٤ ه) . وبه يمكن بيان العلاقات أو الاضافات بين الصور (محاورة »السوفطائي») وصاحب الديالكتيك بستطيع أن يرى الحقيقة ككل، وان يضع علاقات بين اجزائها المختلفة («السياسة» ٥٣٧ ح). «إن صاحبالديالكتيك هو من عنده نظرة شاملة للمجموع، وغير الديالكتيكي ليس عنده ذلك» (٥٣٧ ح). ولهذا فإن الديالكتيك في الدرجة العليا، وهوذروة الدراسات، ولا يوجد موضوع للمعرفة اسمى منه، وفيه تبلغ الدراسة هدفها (٥٣٤ ه)

وعكس هذا تماما يقرر أرسطو: إذ هو يضع الديالكتيك في مقابل البرهان ويقول أن «التفكير يكون ديالكتيكيا إذا كان يستند إلى ظنون يقر بها عامة»، («الطوبيقا» ١٠٠ أ ٣٠- ٣١) «والحجج الديالكتيكية هي تلك التي تستند إلى مبادى ء مناسبة لكل موضوع، لا إلى الآراء التي يقول بها الذي يجيب. . والحجج الديالكتيكية هي تلك التي تستند إلى مقدمات مقر بها عامة« («السوفسطيقا» ١٦٥ ب١-٣).

ويقرر أرسطو ايضا ان «الديالكتيك هو في لوقت لفسه وسيلة للفحص، لأنفن الفحص ليس إنجازا من وع الهندسة، لكنه إنجاز يمكنالمرء اكتسابه، حتى لو لم يكن لديه معرفة، أي يمكن من ليس لديه معرفة أن فحص من عنده معرفة وأن يمتحنه، إذا سلم له الأخير أمور ليست مأخوذة من الأشياء التي يعرفها أو من المبادىء لخاصة للموضوع الذي يجري النقاش فيه، وإنما من كل طاق النتائج المترتبة على الموضوع الذي يمكن المرء ان عرفه دون أن يعرف نظريته ولكنه اذا لم يعرفه فهو ملزم أن يجهل نظريته. ولهذا فإن فن الفحص لا يقوم في معرفة

أي موضوع محدد، ولهذا السبب فإنه يشتغل في كل شيء، لأن كل نظرية لشيء ما تستخدم أيضا مبادىء مشتركة. ولهذا فإن كل انسان، حتى الهواة، يستخدم الديالكتيك على نحو ما» («السوفسطيقا» ١٧٢ أ ٢٣- ٣٣).

وبالجملة، فإن الديالكتيك عند أرسطو، شكل غير برهاني للمعرفة، وهو «مظهر فلسفة» وليس معرفة يقينية، ولا الفلسفة نفسها. ومن هنا فإنه في نظره نوع من الجدل، و ليس من العلم، وهو احتمال، و ليس يقينا، وهو «استقراء» وليس «برهانا» أي حجة يقينية. ولهذا نرى أرسطو يذهب أحيانا إلى نعت الديالكتيك بأنه معرفة احتما؛ ظنية.

لكن الافلاطونية المحدثة، خصوصاأفلوطين، أعادت إلى الديالكتيك المكانة التي كانت له عند أفلاطون،

وفي العصر الوسيط استخدم اللفظ dialéctica مساويا للمنطق تماما، وصار أحد ثلاثة الفنون الحرة 00ا111٧3، وهي: لنحو، والخطابة، والديالكتيك. ويهذه المثابة كان يتعلق بالمنهج، لا بالحقيقة الواقعية.

وفي القرن الثامن عشر في أوروبا عاد للديالكتيك معناه الذي كان له عند أرسطو، خصوصا عند كنت الذي نعته بأنه «منطق الظاهر» 105ع 611 Logik des وذلك إذا جعل المرء من المطق- الذي هوقانون للحكم على الحقيقة الشكلية- أورغانن أي ينبوعا للمعرفة المادية. ومثل هذا الديالكتيك هو «فن سوفسطائي« («نقد العقل المحض»، المنطق المتعالي، المقدمة ٣ ط١ ص ١١٣ وما يليها).

والقسم الثاني من المنطق المتعالي يسمى «الديالكتيك المتعالي»، وفيه ينقد الذهن والعقل في استخدامهما المتجاوز لطاقتيهما وحدودهما.

لكن يجب علينا أن ننبذ الديالكتيك بوصفه «منطق الظاهر» وبدلا منه نقوم بنقد هذا «الظاهر»، وهذا النقد هو بمثابة عملية «تطهير» Katharikon للعقل. ومهمة الديالكتيك المتعاليهي الكشف عن «ظاهر» الأحكام المتعالية، حتى لا ننخدع بها. إنه ينقد الأمور الظاهرية التي لا تصدر عن المنطق ولاعن التجربة، وإنا عن لعقل حين يدعي تجاوز الحدود التي فرضتها التجربة، تلك الحدود التي بينها كنت في باب «الحساسية المتعالة!) من كتاب «نقد العقل المحض».- من أجل أن يعرف بقواه هو لخاصة ووفقا لمبادئه الخاصة: العالم، والنفس، والله.

وقد جعل هيجل من الديالكتيك منهج فلسفته. ومفاده عنده ان كل فكرة تنطوي على تناقض باطن. فمثلا: الوجود يعني اثبات وجود ونفي وجود آخر، فوجود التفاحة هو إيجاب لوجود هذه الثمرة، ونفي لكونها أية ثمرة اخرى. ولهذا ينبغي ان نقول عن الموجود أنه موجود ولا موجود معا، ومعفى هذا أنه متغير فالوجود: موضوع ، ونفي وجود آخر: نقيض موضوع، والموجود المتغير: مركب موضوع. وهكذا تير الحقيقة الواقعية من موضوع ع5غا1 ، إلى نقيض موضوع antithèse ثم إلى مركب منهما هو مركب الموضوع synthèse ويستمر الأمر، فيصبح مركب الموضوع موضوعا، ينفيه نقيض موضوع، ومن كليهما يتكون من جديد مركب موضوع وهكذا باستمرار.

والديالكتيك هو اذن العملية التي تمكن من التطور ومن نضوج الحقيقة الواقعية.

وللديالكتيك عند هيجل نوعان: ديالكتيك تاريخي، وديالكتيك وجودي (أنطولوجي). النوع الأول يظهر في تطور الحياة والنظم : فبعض اشكال الحياة أو النظم ينطوي على تناقض باطن، لأنها محتوم عليها أن تتجنب الغرض الذي من أجله وضعتد مثل العلاقة بين السيد والعبد، او لأن من المحتوم عليها أن تولد نزاعا باطنا بين أحوال مختلفة مهمة على السواء من أجل تحقيق الغرض منها، كما هى الحال في المدينة 5نا0م اليونانية، فأمثال هذه الأشكال مقيض لها أن تزول لتحل محلها غيرها وهذا الديالكتيك التاريخي يبدأ من القول بان غرضاً ما يسعى اليه، وان لم يتحقق بعد. والتنازع بين الغرض وبين الواقع الفعلي يقود إلى تحطيم الوافع الفعلي وإحلال وافع آخر مكانه،

اما الديالكتيك الوجودي (الانطولوجي) فيبداً من قاعدة أن معيارا ما، نحدده ببعض الخواص، قد تحقق، وهو يتحرك خلال تصورات مختلفة لهذا المعيار نحو مزيد من الأشكال المناسبة. فمثلا بالنسبة إلى الوعي أو الشعور: نحن نبدأ من قاعدة أن هناك معرفة، وأن امعرفة إنجاز. لكن معرفتنا عن هذا المعيار قاصرة واجمالية. فنتوسع فيها وننتقل من المعرفة الحسية إلى معرفة عقلية مقالة لها، وهكذا باستمرار.

انظر أيضا