إضراب جوع لمعتقلين سياسيين وتشكيك في مصداقية "الرئاسية" بتونس

جانب من مسيرات احتجاجية للمعارضة للمطالبة بإطلاق سراح المعارضين
مسيرة احتجاجية للمعارضة التونسية للمطالبة بإطلاق سراح المعارضين (الجزيرة)

تونس- يرى معارضون أن استمرار اعتقال عدد من المعارضين البارزين للرئيس قيس سعيد منذ عام سيؤثر على مصداقية الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها الخريف المقبل.

ويأتي ذلك في وقت أعلن فيه عدد من المعتقلين المعارضين الدخول في إضراب عن الطعام في سجن "المرناقية" بالعاصمة تونس بينهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي.

ودخل، أمس الاثنين، رئيس النهضة ورئيس البرلمان المنحل الغنوشي في إضراب مفتوح عن الطعام للمطالبة بالإفراج عنه وعن بقية المعتقلين السياسيين.

ومطلع فبراير/شباط الجاري، أصدرت المحكمة الابتدائية في تونس حكما بالسجن لمدة 3 سنوات ضد الغنوشي بتهمة تلقي حزبه تمويلا من طرف أجنبي.

ويحاكَم الغنوشي في قرابة 9 قضايا حسب هيئة الدفاع عنه، وكانت الشرطة قد اعتقلته بعد مداهمة منزله في 17 أبريل/نيسان 2023، بشبهة "التآمر ضد أمن الدولة".

"مظلمة"

وقبل أسبوع، دخل 6 من السياسيين الموقوفين بتهمة "التآمر على أمن الدولة" -وفق إعلانات السلطة- في إضراب عن الطعام بعد مرور عام كامل على اعتقالهم.

وهؤلاء المعتقلون هم الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، والقياديان في جبهة الخلاص المعارضة جوهر بن مبارك ورضا بالحاج، والناشط السياسي خيام التركي، والقيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي.

وهؤلاء ليسوا في جبهة موحدة، بل يختلفون من حيث الانتماءات السياسية، وهم بالنسبة إلى أنصارهم "ضحايا سلطة متفردة بالحكم لا تفرق بين الألوان السياسية".

يقول الناطق باسم حركة النهضة عماد الخميري إن محامي الدفاع المطلعين على كل مراحل التحقيق يؤكدون خلو ملفات الموقوفين من أي جرائم مادية تدينهم.

ويضيف للجزيرة نت أن دخول السياسيين الموقوفين في إضراب عن الطعام هدفه التدليل للرأي العام الوطني والدولي على تعرضهم "لمظلمة" بسبب آرائهم السياسية. ويوضح أن القاسم المشترك بين مختلف القادة السياسيين المسجونين هو معارضتهم لمسار 25 يوليو/تموز 2021 الذي فرضه الرئيس قيس سعيد.

وفي ذلك التاريخ اتخذ سعيد جملة من "التدابير الاستثنائية" منها حل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء وإقالة حكومة هشام المشيشي، وحكم البلاد بالمراسيم.

وبعد ذلك صاغ سعيد دستورا جديدا غيّر به نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، وأرسى برلمانا جديدا اعتبرته المعارضة أداة طيّعة في يد الرئيس "المتفرد بالحكم".

ويرى الخميري أن استهداف المعارضين "لا يمكن أن يطيل عمر نظام قمعي مهما كانت سطوته"، ولفت إلى ما وصفه بـ"عودة السلطة الحالية لمربع الاستبداد وضرب الحريات".

تشكيك

ومن غير المعلوم متى سيتم الإفراج عن المعارضين الموقوفين، رغم أن مدة الاحتفاظ القصوى في الجرائم الجنائية تصل إلى 14 شهرا بحسب القانون التونسي.

ويقول الخميري "لا ندري متى ستُرفع هذه المظلمة عنهم، لأن النظام الحالي يتحكم في أدوات الدولة ولديه هيمنة على السلطة القضائية، لكننا نأمل أن تعود السلطة لرشدها".

ويرى أن المؤشرات المتعلقة باستمرار اعتقال عدد من المعارضين والتضييق على نشاط الأحزاب المعارضة، وعلى حرية الرأي، لا تهيئ لانتخابات نزيهة.

وكان أعضاء هيئة الانتخابات أكدوا تنظيم الانتخابات الرئاسية بين سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول المقبلين. وأكد الرئيس قيس سعيد احترام موعد الانتخابات.

ويضيف الناطق باسم حركة النهضة أن "ملاحقة المعارضين والصحفيين والنقابيين تثبت أن الشروط غير متوفرة لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة، وتكشف عن غيوم متلبدة حول الانتخابات".

لا ضمانات لانتخابات نزيهة

بدوره، يقول أمين عام حزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي إن البلاد تعيش على وقع مأساة اعتقال معارضين بسبب آرائهم، ولن تزيد الذاكرة إلا جراحا.

ويضيف "الذي حصل في 25 يوليو/تموز الماضي هو انقلاب، والانقلاب لا يتعايش مع الحرية"، منتقدا ما اعتبرها هيمنة السلطة الحالية على القضاء.

ويؤكد للجزيرة نت أن استمرار استهداف السلطة للحريات والأحزاب والمعارضين لا يوفر الحد الأدنى من الشروط والضمانات الدنيا لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة.

وانتقد المكي استمرار توقيف زعيم حركة النهضة، رغم تقدمه في السن (82 عاما)، ولم يستبعد تدهور حالة الغنوشي الصحية في أي لحظة بعد دخوله في إضراب عن الطعام.

الاحتكام للقضاء

في المقابل، يرى أنصار الرئيس سعيد -الذين يعتبرون ما قام به في 25 يوليو/تموز مسارا تصحيحيا للثورة- أن القضاء هو الفيصل للبت في قضايا المعارضين الموقوفين.

ويتهم هؤلاء من حكموا بعد الثورة -لا سيما حركة النهضة- بالانحراف عن أهدافها وخدمة مصالحها الخاصة والتورط في الفساد والإرهاب، رغم نفيها ذلك.

وينزهون الرئيس سعيد من كل الاتهامات بضرب الحريات والتعددية الحزبية وتردي الأوضاع، محملين من حكموا بعد الثورة مسؤولية تردي الأوضاع في البلاد.

ويؤكدون أن الرئيس متعهد بإجراء الانتخابات في موعدها دون تغيير القانون الانتخابي وقواعد اللعبة الانتخابية، وأن السباق مفتوح أمام الجميع بمن فيهم من في السجن.

وكان الناطق باسم هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري أكد أن القانون الانتخابي لا يمنع الأشخاص المسجونين أو من هم "محل تتبع قضائي" من الترشح للانتخابات.

المصدر : الجزيرة